ليس بالكبارى وحدها يحيا الإنسان.. ولا معنى لشموخ كباري تُشَيَّدُ بهمة ونشاط، بينما يعانى مرضى من إنكسار وقهر وإذلال فقط ليتلقوا حقهم فى العلاج.
سأرفع القبعة للحكومة اعترافا بالنجاح، وأنحنى للنظام تبجيلا واحتراما وتوقيرا، وأسير فى الشوارع أهتف تحيا مصر ليس فقط ثلاث مرات، بل سأزيدهم لمائة مرة قوية مدوية، فقط لو ردت للمريض آدميته، ورد للفقير حقه وللمهمش كرامته.
علاج المريض ليس منة ولا هبة، لكنه حق كفله الدستور.. فليت كل مسؤول ارتضى الجلوس على مقعده، أن يسعى لتطبيق ذلك البند الإنسانى من الدستور، وإلا ما استحق شرف خدمة الشعب، كما فرض عليه واجب منصبه والتزامات مسؤوليته.
افتحوا قلوبكم وأبواب مكاتبكم للمرضى لتسمعوا مر الشكوى، وأراهن لو استطعتم أن تستمروا فى التمسك بكراسيكم لو تبقى فى قلوبكم قدر من إنسانية وفى أرواحكم قدر من رحمة.
المريض فى مصر مهان، ما لم يكن لديه أموالا ضخمة تغنيه شر السؤال والتردد على مستشفيات الحكومة أو عيادات التأمين الصحى،
المريض فى مصر مكسور ضعيف مقهور، أسير آلام شقى الرحى، قلة الحيلة وضعف ذات اليد ومصاريف علاج تكوى بنارها الاجساد المنهكة، فتزيد آلامها مزيدا من الأوجاع.
رحلة شقاء طويلة يعانى منها المريض لو قدر له اللجوء للعلاج عن طريق التامين الصحي، سلسلة طويلة من الإجراءات الروتينية، تشكيل لجان ولجان منبثقة، تأشيرات وأختام وأوراق وشهادات وتقارير وتفسيرات مختلفة لتشخيصات وعلاجات وطرق وعرة بين مكاتب مختلفة لأطباء وموظفين، لكل منهم رأيه ولكل منهم فهمه ولكل منهم تفسيره، لما هو مدون فى الأوراق والتقارير أمامه.
دهاليز طويلة وممرات وسلالم وطوابق، يصعد المريض ويهبط، يسير ويعرج، يخرج من مكتب لآخر ومن غرفة لأخرى ومن طبيب لثالث ورابع، لينتهى بالموافقة على إجراء عملية أو إستكمال علاج أو صرف أدوية.
ولنا أن نتخيل حال مريض بالمرض الخبيث لو اضطر للعلاج عن طريق متاهة التأمين الصحي.. من المؤكد أنه يحتاج عمرا آخر فوق عمره المهدد بالموت كى ينتهى من تلك الإجراءات الروتينية بفرض ألا يسبقه الأجل قبل أن ينهيها.
لا يختلف الوضع كثيرا عما يمكن أن ينتظره فى معهد الاورام، نفس الدائرة الروتينية المرهقة، نفس الإجراءات الصعبة، نفس القدر من استنزاف الجهد والطاقة والصبر للهاث وراء تقرير طبى وعرض على لجان وصرف أدوية وانتظار لدور فى تلقى جرعات العلاج الكيماوى أو جلسات العلاج الإشعاعي.
ولنا أن نتخيل حال مريض أوقعه حظه العثر لتحويل علاجه من التأمين الصحى لمعهد الأورام.. فالدائرة الروتينية هنا ستتضاعف وتيرتها لتزيد من حجم معاناة المريض.. بين تفسيرات لتقارير وتحديد لجرعات وتقنين لأدوية وتشخيص لعلاج.. لا تقتصر صعوبة وتأويل تفسيرها على جهة واحدة فقط، بل تتبادل الجهتان إجتهادات التفسير والتدقيق والتأويل.. يصر أطباء التأمين الصحى على تحديد مواعيد للجرعات بينما يتمسك أطباء المعهد بعدد الجرعات.. وبين التفسيرات المتعنتة يتوه المريض، يعجز عن إقناع مسئولى التأمين أن تحديد الجرعات بتواريخ لايتناسب مع طبيعة مرض وحالة مريض قد تضطره ظروفه الصحية، وضعف مناعته واضطراب حاله واضطراب تحاليه الطبية، أن يعجز عن تلقى الجرعات فى مواعيد محددة، بل الأمر يتطلب فى الغالب تأجيل تلقى الجرعات حتى يستعيد الجسم جزءا من قوته وقدرا من مناعته.. لكن لا أحد يستجيب، بينما يصر مسئولى معهد الأورام على الالتزام بتحديد جرعات محددة للعلاج، وبين تعنت التأمين والمعهد ماعلى المريض إلا الصبر أو الموت كمدا أو البحث عن واسطة تقرب وجهات النظر وتعيد قراءة إنسانية وتمنح قدرا من رحمة للتعامل مع مريض لايملك رفاهية الإنتظار.
ارحموا انكسار وضعف المرضى، لا تفرضوا عليهم تسولا للعلاج، لاتهينوا آدميتهم.. امنحوهم حق العلاج بكرامة وشموخ وعزة نفس، فشموخ البشر أحق وأولى من شموخ كباريكم المشيدة.
-----------------------------
بقلم: هالة فؤاد